موجات الحر وتأثيرها على القلب

تأثير موجات الحر على مرضى القلب: مخاطر صحية تتطلب وعيًا متزايدًا

تُعد موجات الحر من الظواهر المناخية المتكررة والمتزايدة في معظم مناطق العالم بسبب التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على جودة الحياة والراحة، بل تمثل تهديدًا مباشرًا على صحة الإنسان، وخصوصًا لدى الفئات الأكثر عرضة كمرضى القلب. إذ تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في إجهاد الجهاز القلبي الوعائي، مما يزيد من مخاطر المضاعفات الصحية والوفيات المرتبطة بأمراض القلب. يستعرض هذا المقال تأثير موجات الحر على مرضى القلب، الأليات التي تسبب الضرر، وكيفية الوقاية والتعامل مع هذه المخاطر المتزايدة.

طبيعة موجات الحر وتأثيرها العام على الجسم

موجات الحر عبارة عن فترات متواصلة من ارتفاع درجات الحرارة عن المعدل الطبيعي لفترة طويلة، تمتد لساعات وأيام قد تصل إلى أسابيع، وتُصاحبها أحيانًا رطوبة مرتفعة تزيد من صعوبة تبريد الجسم طبيعيًا. تتفاوت شدة موجات الحر بحسب الموقع الجغرافي وظروف الطقس المحلية، لكن التأثيرات الصحية على الإنسان تتشابه في العمق والتأثير، خاصة عندما لا تتوفر وسائل تبريد مناسبة.

الجسم البشري يعتمد على آليات معقدة للحفاظ على درجة حرارته الداخلية ضمن حدود ضيقة (تقريبًا 36.5-37.5 درجة مئوية)، وأي ارتفاع زائد في الحرارة قد يؤدي إلى خلل في توازن هذه الآليات، مما يسبب إجهادًا حراريًا شديدًا ومشكلات صحية عديدة.

سبب خطورة موجات الحر على مرضى القلب

المرضى الذين يعانون من أمراض القلب يُعتبرون من الفئات الحساسة بشدة تجاه التغيرات المناخية الحادة، لا سيما موجات الحر، وذلك للأسباب التالية:

1. زيادة عبء العمل على القلب: عند ارتفاع درجة حرارة الجو، يبدأ الجسم في محاولة التخلص من الحرارة الزائدة عبر زيادة تدفق الدم إلى الجلد بهدف تبريد السطح الخارجي للجسم. هذا يتطلب من القلب ضخ كميات أكبر من الدم، مما يضع عبئًا إضافيًا على عضلة القلب التي قد تكون ضعيفة أو متضررة في مرضى القلب.

2. الجفاف وفقدان الأملاح المعدنية: التعرق المفرط خلال موجات الحر يؤدي إلى فقدان سوائل الجسم والأملاح الضرورية مثل الصوديوم والبوتاسيوم. نقص هذه الأملاح قد يسبب اضطرابات في نبضات القلب (الرجفان الأذيني وعدم انتظام ضربات القلب)، والتي تعد خطيرة على مرضى القلب.

3. تكون جلطات الدم: ارتفاع الحرارة يزيد من لزوجة الدم، مما يرفع من احتمالية تكون الجلطات الدموية، وهذه الجلطات قد تسد الشرايين التاجية أو الدماغية، مسببة أزمات قلبية أو سكتات دماغية.

4. انخفاض ضغط الدم: في بعض الحالات، مع محاولة الجسم تبريد نفسه، يتمدد الأوعية الدموية، مما قد يؤدي إلى انخفاض حاد في ضغط الدم عند مرضى القلب، مسببا دوارًا وإغماء، ما يزيد من خطر السقوط والإصابات.

5. الإجهاد الحراري الحاد: الحرارة الشديدة قد تسبب إجهادًا حراريًا يؤدي إلى ضربة شمس، والتي بدورها تسبب تلفًا في الأنسجة الحيوية، ومن ضمنها القلب.

الدراسات العلمية التي تثبت العلاقة بين موجات الحر وأمراض القلب

تشير العديد من الدراسات الطبية إلى وجود علاقة وثيقة بين ارتفاع درجات الحرارة وحالات تفاقم أمراض القلب. ففي دراسة نشرت في مجلة “Circulation” عام 2020، تم رصد ارتفاع ملحوظ في معدلات الوفيات القلبية خلال موجات الحر في مناطق متعددة حول العالم. الدراسة أكدت أن معدلات الاستشفاء بسبب فشل القلب الاحتقاني، الذبحة الصدرية، واضطرابات نظم القلب تزيد بشكل ملحوظ في الأيام الحارة.

كما أظهرت دراسات أخرى أن مرضى القلب الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم والسكري أكثر عرضة للتأثر سلبًا بموجات الحر، إذ تتداخل العوامل المسببة للمرض مع الإجهاد الحراري، مما يضاعف فرص حدوث مضاعفات خطيرة.

الأعراض والعلامات التحذيرية لمرضى القلب أثناء موجات الحر

من المهم معرفة العلامات التي تشير إلى أن مريض القلب يعاني من تأثيرات موجات الحر، وهذه الأعراض تشمل:

• خفقان القلب غير المنتظم أو السريع.

• دوار شديد أو ضعف عام.

• تعرق مفرط مع شعور بالجفاف والعطش الشديد.

• ألم أو ضغط في منطقة الصدر.

• صعوبة في التنفس أو ضيق في الصدر.

• غثيان أو قيء مصاحبًا للإرهاق الشديد.

ظهور هذه الأعراض يستوجب التدخل السريع لتفادي تفاقم الحالة.

نصائح واحتياطات لمرضى القلب أثناء موجات الحر

يمكن تقليل المخاطر الصحية المرتبطة بموجات الحر عبر اتباع مجموعة من الإجراءات الوقائية التي تساهم في حماية مرضى القلب من المضاعفات الخطيرة:

• البقاء في أماكن مكيفة أو مظللة: من المهم أن يكون مريض القلب في بيئة تبرد الجسم وتقلل من التعرض المباشر لأشعة الشمس الحارقة.

• شرب كمية كافية من الماء: يجب تجنب الجفاف الذي يزيد من خطر الجلطات واضطرابات النبض، ويفضل شرب الماء بانتظام حتى بدون شعور بالعطش.

• تجنب النشاط البدني الشاق: في أوقات الذروة الحرارية، يجب التقليل من ممارسة الرياضة أو أي نشاط يتطلب مجهودًا بدنيًا كبيرًا.

• مراجعة الطبيب: خصوصًا في حالات وجود أعراض غير معتادة أو تفاقم الحالة الصحية، وعدم التوقف عن تناول الأدوية الخاصة بالقلب إلا باستشارة الطبيب.

• ارتداء ملابس خفيفة: تساعد الملابس القطنية والفاتحة على تقليل امتصاص الحرارة.

• مراقبة ضغط الدم والنبض: استخدام الأجهزة المنزلية لمراقبة هذه المؤشرات بانتظام قد يساعد في اكتشاف أي تغيرات سريعة تستوجب التدخل.

تأثير موجات الحر على الجهاز القلبي الوعائي: الجوانب الفيزيولوجية

تعمل حرارة الجو المرتفعة على تحفيز عدة تفاعلات فيزيولوجية داخل الجسم تؤثر بشكل مباشر على القلب والأوعية الدموية، منها:

• توسع الأوعية الدموية الجلدية: مما يسبب انخفاضًا في مقاومة الأوعية الدموية الطرفية، ويساهم في خفض ضغط الدم.

• زيادة معدل ضربات القلب: لتعويض الانخفاض في ضغط الدم وضمان توصيل الدم للأعضاء الحيوية.

• تغيير في توزيع الدم: حيث يزداد تدفق الدم للجلد على حساب الأعضاء الداخلية، وهذا يمكن أن يقلل من الأوكسجين والمواد المغذية التي تصل إلى القلب نفسه.

• التأثير على تنظيم الحرارة: يؤدي الضغط الإضافي على القلب إلى تقليل كفاءته في القيام بوظائفه الطبيعية، مما يسبب تدهورًا في أداء القلب، وخصوصًا عند وجود أمراض مزمنة.

الجدول التالي يوضح تأثير موجات الحر على مرضى القلب مقارنة بالأشخاص الأصحاء

موجات الحر وتأثيرها على الأدوية القلبية

تؤثر موجات الحر أيضًا على فعالية الأدوية التي يتناولها مرضى القلب، حيث يمكن للحرارة العالية أن تزيد من تحلل بعض الأدوية أو تؤثر على امتصاصها، مما قد يؤدي إلى تغير مستويات الدواء في الدم. ومن الأمثلة على ذلك:

• مدرات البول: تسبب فقدان المزيد من السوائل والمعادن، مما قد يزيد من خطر الجفاف واضطرابات الأملاح.

• أدوية ارتفاع ضغط الدم: قد تؤدي إلى انخفاض ضغط دم مفرط عند التعرض للحرارة، مما يسبب دوارًا أو إغماء.

• مضادات تخثر الدم: قد تتأثر لزوجة الدم مع موجات الحر، مما يستلزم متابعة طبية دقيقة لتعديل الجرعات.

دور التوعية المجتمعية والمؤسسات الصحية في حماية مرضى القلب

يحتاج الحد من مخاطر موجات الحر على مرضى القلب إلى جهود مجتمعية متعددة تشمل التوعية والوقاية من خلال:

• إطلاق حملات إعلامية تحذر مرضى القلب من مخاطر موجات الحر وتوجههم لكيفية التعامل معها.

• توفير مراكز تبريد عامة في المدن خلال موجات الحر.

• تهيئة خدمات الإسعاف والطوارئ لمواجهة الارتفاع المحتمل في حالات الطوارئ القلبية.

• تحسين البنية التحتية للمباني السكنية لتكون أكثر ملاءمة لتحمل درجات الحرارة المرتفعة.

الخلاصة

تتضاعف مخاطر موجات الحر على مرضى القلب بسبب الضغط الإضافي الذي تفرضه الحرارة على عضلة القلب والجهاز القلبي الوعائي، بالإضافة إلى تأثيرها على توازن سوائل الجسم والأملاح الحيوية. الأبحاث الطبية تؤكد أن هذه الظاهرة تؤدي إلى زيادة حالات تفاقم الأمراض القلبية، ارتفاع معدلات الاستشفاء، والوفيات. لذا، فإن اتباع التدابير الوقائية والالتزام بالإرشادات الطبية يمثلان السبيل الأمثل لتقليل هذه المخاطر. من الضروري أيضًا تعزيز الوعي العام وتطوير استراتيجيات مجتمعية لمواجهة تحديات موجات الحر، مما يسهم في حماية هذه الفئة الحساسة وضمان جودة حياة أفضل لهم في ظل تغيرات المناخ الحادة التي يشهدها العالم اليوم.

المصادر والمراجع

• Marty E, et al. “Impact of heat waves on cardiovascular disease: A systematic review.” Circulation, 2020.

• Kovats RS, Hajat S. “Heat stress and public health: A critical review.” Annual Review of Public Health, 2008.